أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية
رضي الله عنها
أخرج الحاكم عن ابن شهاب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صدّه فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجُج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حَزن العامرية فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بسرف (موضع قرب مكّة) بعد ذلك بحين حتى قدمت ميمونة فبنى بها بسَرِف. وقدر الله تعالى أن يكون موت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بعد ذلك بحين، فتوفيت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم [1].
وميمونة هي برة بنت الحارث الهلالية، إحدى أخوات أربع قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأخوات المؤمنات)..
أما الأولى: فهي أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، أول امرأة آمنت بعد خديجة رضي الله عنها. وهي التي ضربت أبا لهب عدو الله ورسوله، حين دخل بيت أخيه العباس فاحتمل مولاه (أبا رافع) فضربه بالأرض ثم برك عليه يضربه لأنه أسلم. فقامت أم الفضل إلى عمود فشجت رأس أبي لهب شجة منكرة، فما عاش بعدها إلا سبع ليال حتى رماه الله بداء قتله[2].
والثانية: أختها لأمها زينب بنت خزيمة الهلالية العامرية. كانت زوجة لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فلما استشهد في بدر ضمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فجبر خاطرها بعد أن انقطع عنها الناصر والمعين. وكانت قد بلغت الستين من عمرها حينما تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت تسمى أم المساكين لرحمتها إياهم ورقتها عليهم.
والثالثة: أختها لأمها أسماء بنت عميس الخثعمية زوج جعفر بن أبي طالب، وقد تزوجت من بعده أبا بكر ثم خلف عليها الإمام علي.
والرابعة: أختها لأمها سلمى بنت عميس زوج حمزة بن أبي طالب.
وأمهن جميعا، هند بنت عوف بن زهير، التي قيل فيها: (أكرم عجوز في الأرض أصهارا هند بنت عوف) أصهارها: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وحمزة والعباس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلي ابنا أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
واختلفت الروايات في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة..
ففي حين تذكر بعض الروايات أن برّة وقد كانت في السادسة والعشرين من عمرها، مات عنها زوجها أبو رهم بن عبد العزى العامري، فأفضت إلى شقيقتها أم الفضل بما يهفو إليه قلبها، فتحدثت به إلى زوجها العباس، فمضى من فوره إلى ابن أخيه وعرض عليه أمر برّة، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعث ابن عمه جعفر -زوج أختها أسماء- يخطبها.
وفي رواية أخرى أن برّة هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى فيها: )وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين( [3].
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم وأصحابه مكة في السنة السابعة للهجرة لأداء العمرة، فلما بلغ يأجج بعث بجعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة فخطبها عليه.
والرواية الأخيرة.. هي التي تتسق - والله أعلم- مع مقاصد زواج النبي صلى الله من ميمونة.. فبالإضافة إلى أنها من أكرم بيوتات مكة.. وأصهارها من أعظم الرجال.. وباستثناء أبي بكر فهم أبناء وأحفاد عبدالمطلب.. بالإضافة إلى ذلك.. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفكر في مكة.. وفي قريش التي وقفت عاتية جبارة في وجه الدين الجديد.. ومازالت قبائل العرب تنتظر موقفها قبل أن تقبل على الإسلام.. من أجل ذلك.. قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية بشروطـه التي بدت مجحفة بحـق المسلمين.. مقابل أن يحصل على اعتراف قريش بالإسلام كقوة أخرى موجودة في جزيرة العرب.. وهو اليوم يدخل مكّة وبوده لو لم يفارقها.. فما عليه لو تزوج من مكة وطلب إليهم لو يمهلوه ريثما يتم الزواج، فيكسب بهذا الإمهال مزيدا من الوقت.. ليمكّن للإسلام من هؤلاء.
فلما جاءه مبعوث قريش يطالبه بالخروج، إذ انقضى الأجل المنصوص عليه.. قال: ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتـموه..؟ وفهم أهل مكة الأمر، وأدركو أن أياما أخرى لمحمد بين ظهرانيهم قد تفتح له أبواب مكّة طائعة مختارة.. فأجاب مبعوث مكّة: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنّا.
وخرج رسول الله من مكّة.. لم تنجح الخطة الميمونة.. ولكن برّة بنت الحارث التي سماها رسول الله (ميمونة) هي التي ربحت، فبنى بها رسول الله في سرِف قرب التنعيم ودخلت معه المدينة تحمل لقب أم المؤمنين.
ودخلت ميمونة بيت النبي مسالمة، قد اكتفت من دنياها بما منّ الله عليها به من نعمة الإسلام، وشرف الزواج بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
عاشت ميمونة تذكر اليوم الميمون الذي جمعها بالنبي وتحن إلى سِرف حيث بنى بها.. وقد أوصت أن تدفن عندما تموت في موضع قبتها هناك.. فلما ماتت صلى عليها ابن اختها عبد الله بن عباس وأرقدها حيث أحبت.
عندما ذكرت عائشة ميمونة قالت: (أما إنها كانت والله من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم).
[1] الحاكم 4: 30.
[2] سيرة ابن هشام 2: 301.
[3] الأحزاب - 50.